کد مطلب:187338 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:221

و سلاحه البکاء (34)
وقف «عبدالملك» فی شرفة «قصر الخضراء» ینظر الی المساحات الخضراء الممتدة.. و ینابیع المیاه المتدفقة؛ و هی تندفع خلال الأشجار.

شعر بضیق فی صدره كان یقلب رسالة من الحجاج حاكم المشرق الذی ثبت له أركان الحكم بقوة الحدید و النار. فیها كلمات تكاد تكون انذارا:

اذا أردت أن یسلم لك ملكك فاقتل علی بن الحسین...

- أمر عجیب..

تمتم عبدالملك و هو یغادر الشرفة و أردف:

- انه یبدو بعیدا عن شؤون الدنیا منصرفا عن الحیاة منزویا فی بیته یدعو... و یبكی لیس غیر.. و ها هو الحجاج یقول بأن الخطر یكمن فی هذا الرجل!!

- لا.. لا..

هتف الخلیفة.. بصوت مبحوح و أردف:



[ صفحه 130]



- لن ألغ فی هذا الدم. لقد رأیت بام عینی ماذا فعلت دماء الحسین من قبل.. كیف أحرقت آل أبی سفیان و لم تبق لهم باقیة. ولكن سأحصی علیه حركاته و سكناته.. سأخنقه بالجواسیس، اما القتل فلا..

دخل الحاجب یحمل بیده رسالة من وراء الحدود.

فض الخلیفة الختم باهتمام فهی من القیصر جوستنیان امبراطور الروم.

و حضر المترجم قبل استدعائه.

كاد الخلیفة أن ینهار علی الأرض و هو یصغی كلمات فیها تهدید و وعید... و غطرسة:

- أكلت لحم البعیر الذی هرب علیه أبوك من المدینة.. لأغزونك بجنود مئة ألف و مئة ألف و مئة ألف.

هتف الخلیفة مذعورا و هو یتصور تدفق آلاف الجنود عبر الحدود لتأتی علی كل ما حققه من انتصارات و یصبح ملكه فی خبر كان...

لیس الحرب هو مصدر الخطر.. هناك سلاح آخر أكثر فتكا.

لسوف یقطع عن دولة الاسلام النقد. و هذا یعنی خراب البلاد.

تمتم و هو یتهالك علی سریر كبیر محلی بالذهب:

- أحسبنی اشأم مولود ولد فی الاسلام.

نشر المساء ظلاله و بدا قصر الخضراء فی غمرة الظلمة الخفیفة



[ صفحه 131]



بومة جاثمة تترقب شیئا ما.

كان ضوء القنادیل یتدفق من نوافذ القصر فبدت مساقط الضوء كدنانیر ذهبیة.. أو هكذا كان خطر فی بال «الخلیفة» و هو یتأمل دینارا رومیا فیه كلمات عن الأب و الابن و الروح القدس...

حضر علیة القوم و أخذوا أماكنهم و هم ینظرون من طرف خفی الی حاكم البلاد من شرق خراسان الی أطراف «قرطاجة».

طوح الخلیفة المهموم بالدینار فی الفضاء فسقط علی البلاط المرمری محدثا رنینا ساحرا.

هتف بغیظ:

- سوف یقطعون عنا النقد.. فغرت بعض الأفواه... و اتسعت بعض العیون دهشة و هم یصغون الی أنباء قادمة من وراء الحدود... القیصر یطلب المزید... لم تعد تقنعه مئات الخیول العربیة التی تدفعها الخلافة الاسلامیة منذ عهد معاویة و الی الیوم... لم یعد یرضیه مئات العیسویین الذین یرغبون بالنزوح الی القسطنطینیة.. و لا آلاف الدنانیر فی كل جمعة. ها هو یرید التنازل عن مزید من الأراضی التی حررتها خیول الفتح.

هتف الخلیفة بصوت یشبه الاستغاثة:

- ماذا أفعل؟

كان الصمت هو الرد الذی تلقاه..

تمتم «روح بن زنباع» من أقصی المجلس... ترددت كلماته رغم



[ صفحه 132]



خفوتها و ترددها:

- انك لتعلم الرأی و الخلاص من هذا المأزق.

هتف عبدالملك كمن یتشبث بعمود من سفینة محطمة وسط المیاه:

- ویحك من تعنی؟

قال الشیخ الذی عركته السنون:

- الباقی من أهل بیت النبی.

صوت اختلج فی أعماق عبدالملك لم یسمعه أحد:

- یا لی من أحمق؛ لماذا لم یخطر علی بالی ذلك.



[ صفحه 133]